طفت قضية الصحافة والإعلام والتحديات التي تواجه على السطح مؤخراً، والتي تحتاج إلى عزيمة وإرادة وجهد لدور حقيقي وواقعي، ومتسقاً مع أصحاب المهنة وأحلامهم، نحو صحافة وإعلام حقيقي في إطار من الحرية، وتداول للمعلومات، بعيداً عن أي غموض تدفع نحو اجتهاد، قد يكون صواباً أو به أخطاء.
في نهاية العام الماضي خرج المؤتمر السادس للصحفيين والذي نظمته نقابة الصحفيين بحضور حشد من أصحاب المهنة والخبراء، رسموا خلال خريطة طريق واقعية لتحديات صناعة الصحافة والعاملين فيها.
المؤكد أن أداء الصحافة لمهامها، أن يتطلب أن يكون أصحاب هذه الصناعة في وضع اقتصادي مريح، وفي ظل أمان وظيفي محترم، وفي أجواء من الحرية وتداول للمعلومات، ومن هنا جاءت قضايا هذه المحاور على رأس مناقشات وبالتالي مخرجات المؤتمر.
المؤتمر شدد على المسارعة في تنفيذ الاستحقاق الدستوري لحرية تداول المعلومات كحق أساسي للمواطن معطل منذ إقراره في الدستور قبل أكثر من عشر سنوات، والتوسع في استغلال المعلومات باعتبارها مقومات أساسية للاقتصاد الوطني، مع التأكيد على عدم فرض قيود تعطل الحق باسم التنظيم، وذلك من خلال إصدار تشريع متكامل يكفل حرية تداول المعلومات، ويقوم على أربعة أركان: حرية الوصول، وحق الإتاحة، وتجريم المخالفة، وتنظيم التوثيق الدوري والإلزامي.
مع العلم أن المؤتمر اعتمد مسودة مبدئية لهذا المشروع من خلال المناقشات داخل المؤتمر وتم التوصية بتشكيل لجنة لإنجاز دراستها على نحو عاجل ورفعها إلى مجلس النواب، ومجلس الوزراء، والمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، ووزارة الاتصالات، وغيرها من الجهات.
ومن أهم مخرجات المؤتمر، الدعوة لإصدار قانون إلغاء العقوبات السالبة للحرية في جرائم النشر والعلانية، في إطار التنفيذ التشريعي الكامل لنصوص الدستور بحظر توقيع عقوبات سالبة للحرية في الجرائم، التي ترتكب بطريق النشر والعلانية عدا التحريض على العنف والتمييز والطعن في الأعراض، وبالفعل تم اعداد مشروع قانون متكامل في هذا الصدد، بخلاف الدعوة للتطبيق الكامل والأمين للضمانات الدستورية، التي تكفل حرية الممارسة الصحفية في إطار شامل لحرية الفكر والرأي والتعبير، والإبداع والصحافة والطباعة، وإزالة القيود التشريعية على حرية الصحافة بأنواعها، مع التأكيد على الحرية المسؤولة من أجل صالح هذا الوطن.
ومن بين القضايا الاقتصادية التي ناقشها مؤتمر الصحفيين السادس، تعزيز استمرار حملة "نحو أجر عادل للصحفيين"، التي أطلقتها النقابة قبل نحو عام، مع ضرورة التزام جميع المؤسسات الصحفية والصحف بتطبيق الحد الأدنى للأجور على المستوى القومي، ووضع هياكل واضحة للأجور بما يراعي سنوات الخدمة، وبدون أي تمييز، مع ضرورة قيام مجلس النقابة بوضع آلية لمتابعة ذلك، واتخاذ إجراءات ضد غير الملتزمين، بخلاف مناقشة العديد من الأفكار التي اقترحها الخبراء وأصحاب المهنة لمعالجة الخلل المالي والإداري، ودور الدولة في دعم صناعة الصحافة.
وناقش المؤتمر أهمية بدل التدريب والتكنولوجيا، والذي أصبح ضرورة في هذه الظروف، ودعوة الحكومة، لإقرار زيادة سنوية، لا تربك بأي استحقاقات انتخابية، والأهم حظر قيام المؤسسات والصحف الاكتفاء بهذا البدل باعتباره أجرا أو دخلا وحيدا للصحفي، ودعوة مجلس النقابة إلى وضع آلية لمتابعة ذلك، واتخاذ إجراءات ضد غير الملتزمين.
أعدت قراءة توصيات المؤتمر بكل تفاصيلها، والتي تحمل حلولاً مناسبة وقابلة للتنفيذ، في أعقاب اجتماع الرئيس عبد الفتاح السيسي مؤخراً، بحضور رئيس الوزراء الدكتور مصطفي مدبولي، وعدد من رؤساء الهيئات الإعلامية، وتوجيهه بوضع خارطة طريق شاملة لتطوير الإعلام المصري، ومواكب الإعلام للتغيرات المتسارعة التي يشهدها العالم.
توجيهات الرئيس تطابقت مع مخرجات المؤتمر، بما فيها الحرية المسؤولة وميثاق الشرف الصحفي، فقد أكد الرئيس على أهمية اتاحة البيانات والمعلومات للإعلام، وأهمية الاعتماد على الكوادر الشابة المؤهلة للعمل الإعلامي، وتنظيم برامج تثقيفية وتدريبية للعاملين في هذا المجال، وترسيخ مبدأ الرأي والرأي الآخر، والتأكيد على التزام الدولة الراسخ بإعلاء حرية التعبير، واحتضان كافة الآراء الوطنية ضمن المنظومة الإعلامية المصرية، لتعزيز مناخ التعددية والانفتاح الفكري.
وأحسن مجلس نقابة الصحفيين بدعوته في اجتماعه الأخير إلى تشكيل لجنة مشتركة من نقابتي الصحفيين والإعلاميين والهيئات الإعلامية لوضع خارطة طريق شاملة لتطوير الإعلام وحرية تداول المعلومات، وضرورة العمل على تنفيذ حزمة التعديلات التشريعية التي اعتمدها المؤتمر العام السادس والخاصة بتطوير البيئة القانونية التي تعمل بها الصحافة.
بالفعل نحن بحاجة إلى كثير من الخطوات لتطوير الإعلام، وخطوة الدعوة إلى تشكيل لجنة لمتابعة تنفيذ قرارات المؤتمر العام مسألة مهمة، مع ضرورة تعزيز فكرة مؤتمر للأجور يناقش تطوير لوائح الأجور، وتحسين دخول الصحفيين وأصحاب صناعة الصحافة، ومختلف القضايا ذات الأبعاد الاقتصادية ذات الصلة.
ولا شك أن القراءة المتأنية لما جاء في توجيهات الرئيس تؤكد على تطابق كامل مع ما جاء من مخرجات لمؤتمر الصحفيين، الذي عبروا عن حرصهم على العمل لأداء صحفي متميز من أجل صالح الوطن والمواطنين، ولا يمكن تطوير الإعلام إلا بحوار مشترك بين الدولة وأهل الصحافة والإعلام وتوفير مختلف الأدوات والوسائل المساعدة.
------------------------------
بقلم: محمود الحضري